من الطبيعي أن يتصدى الإعلام للكشف عن أوجه الخلل في أداء مؤسساتنا ومرافقنا، ومن واجبه أن يفضح أوجه القصور في تحمل مسؤوليات العمل العام، وأن يعري الفساد ويلاحقه أينما وجد، كما من واجبه أيضا أن يقترح الحلول والوصفات العلاجية، يبدو كل هذا بديهيا ولا غبار عليه، إلا أن السؤال هو: كيف ينبغي أن نفعل هذا؟.
أسأل هذا السؤال لأننا نشاهد بعض الإعلاميين (ودون ذكر للأسماء) يمارسون هذه المهمة النبيلة بطريقة تضر بالمصلحة العامة أكثر مما تفيد، ونحن لا نشك في نبل مقاصدهم، إلا أن الطريق إلى الجحيم مرصوف بحسن النوايا كما يقول الفرنسيون في أمثالهم، فنجدهم يعرضون لمشكلاتنا وإخفاقات مؤسساتنا بتركيز يخل بتوازن النظرة النقدية الموضوعية.
هنا وهناك إخفاقات وأوجه قصور، مثلما هو موجود ويحدث في أي دولة وفي أي مجتمع، ولكن بالمقابل إذا وضعنا في الاعتبار ما استطاعت أن تحققه المملكة من تطور في وقت قياسي، فإن النقد في هذه الحالة ينبغي أن يكون مثل مبضع الجراح يستخدم للعلاج وليس خنجرا يطعن ليقتل، ويبدو لي أن من ينهجون هذا النهج يجهلون موقع المملكة في الخارطة السياسية الإقليمية والدولية وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، بينما يدرك هذا الموقع وحجم التأثير والدور المتوقع منها أعداؤها الذين لا يكفون عن الكيد لها ومحاولات النيل منها ومن سمعتها ومكانتها، ولا أعتقد بأن من يتناولون أوجه القصور عندنا يهدفون إلى طعن الوطن في ظهره ولا يريدون أن يقدموا الوطن لأعدائه بصورة شائهة.
أعتقد بأن المسألة لا تعدو عن كونها سوء فهم لوظيفة النقد، فأنت حين تندفع مركزا على السلبيات وحدها وتتناولها بصورة لا تتحرى فيها سوى توفر أكبر قدر من الإثارة، سواء بحسن نية في الإصلاح، أو بحسن نية أيضا لترسيخ صورة وانطباع في ذهن المتلقى بأنك تتمتع بالجرأة والشجاعة على فضح «المسكوت عنه» وكشف المستور، مع الإغفال التام لكل إنجاز استطاعت هذه الأمة تحقيقه، فإنك في الواقع لا تساعدها على تجاوز ومعالجة الأخطاء وإنما أنت تضعف ثقتها في نفسها وتتسبب في إحباطها، وأكثر من ذلك أنت تؤكد ما يحاول أعداؤها إشاعته عنها، وتقدم لهم السلاح (دون قصد طبعا) لطعنها في ظهرها، ليتأكد بذلك المثل الفرنسي عن الطريق المرصوف بحسن النوايا إلى الجحيم.
ولعل الذي يجعل هذا البعض من النفر الفاضل يسلك هذا المسلك الناقد هو حماسهم الزائد ووطنيتهم، ناسيا بأن المملكة لا يمكن أن تقارن بدول الإقليم، فهي قارة بمساحتها وبتنوعها الثقافي مما يفرض اشتراطات تنموية مختلفة، ثم إنها دون دول العالم تستقبل الملايين من الحجاج والمعتمرين على مدار العام، مما يفرض أيضا ترتيبات أمنية مختلفة، وبحكم إمكانياتها النفطية ومكانتها الدينية فإن ذلك يفرض عليها مسؤوليات دولية وإقليمية استثنائية، فإذا ما وضعنا كل ذلك في الاعتبار فإننا حينها سنعرف بأن معاييرنا النقدية ستختلف.
* أكاديمي وكاتب سعودي.