لا شك في أن معرض الرياض للكتاب السنوي ظاهرة حضارية تليق بالمملكة العربية السعودية أكثر من أي عاصمة في العالم، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الأرض المباركة كانت وستظل منبع الهداية والنور للبشرية، ومهد آخر رسالات السماء للأرض لتأخذ بيد الإنسان لإعمار الأرض على النحو الذي يحقق الخير للأحياء والأشياء عليها، وإذن فإننا الأحق بإقامة مثل هذه الفعاليات وما يدور فيها من حوارات تنويرية.
ولست هنا بصدد مناقشة ما بدر من بعض الجهلة الذين يجهلون حجم ودور المملكة في عالمنا المعاصر وما يواجهها من تحديات لتلعب الدور الذي ينبغي أن تلعبه. فسفينة الإصلاح والنهضة التي يقودها باقتدار ربانها خادم الحرمين الشريفين ماضية في طريقها بإذن الله ولن يعوق مسيرتها بضعة أصوات تعلو هنا وهناك بين فينة وأخرى عند كل تظاهرة حضارية مثلما حدث في الجنادرية وسوق عكاظ، ولكني أريد أن أتوقف قليلا عند نقاشات دارت ضمن فعاليات معرض الكتاب في ندوة حول شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام، فكثيرا ما سألت نفسي: ترى ما هو الفارق الذي أحدثته تقنيات التواصل الاجتماعي، وما هو مستوى هذا الفارق، هل هو فارق نوعي ويشكل مفصلا حقيقيا في مسار تطور عملية الإعلام والتواصل الاجتماعي أم مجرد نقلة أفقية؟.. فوفقا لموقع إحصائيات الانترنت في العالم، فقد تزايد عدد مستخدمي الانترنت في العالم بمعدلات هائلة سنويا تفوق معدل النمو السكاني بمراحل. حيث شهد العقد الماضي بالذات زيادة هائلة في أعداد المستخدمين للإنترنت ففي حين اقتصر عدد مستخدمي الانترنت في نهاية 2000 على 361 مليون مستخدم في العالم، بلغت تقديرات أعداد مستخدمي الانترنت في العالم في نهاية عام 2009 أكثر من 1734 مليون مستخدم، أي بنسبة زيادة 380% بين هاتين السنتين، ويمثل هؤلاء حوالى 25% من إجمالي سكان العالم، معنى ذلك أنه من بين كل مائة فرد في العالم يستخدم 25 فردا واحدا الإنترنت.. صحيح إن هذه الأرقام لا تكشف أو قل تتجاهل، الفروق بين المناطق في العالم في توزيع استخدام منظومة التواصل الاجتماعي ولكنها إجمالا تنبئ بشيء مهم وهو أنها أصبحت واحدة من أقوى وسائل الاتصال والإعلام في العالم وأن تأثيرها يتنامى يوما بعد يوم حتى لم يعد ثم مجال للتعامل معها كواقع افتراضي.. وما لفت نظري في المناقشات التي تسرب بعض منها لأجهزة الإعلام تناوله لظاهرة استخدام الأسماء المستعارة في التويتر والفيسبوك على سبيل المثال، حيث بررها بعضهم بالخوف من الرقابات الأمنية ورغم وجاهة هذا المبرر إلا أن وضعه في ميزان المعايير المبدئية يجعله على شيء من التهافت، وكما قال الأخ طراد الأسمري في مداخلته بأن من يدعو إلى الحقيقة ينبغي أن لا يبدأ بحجب بعضها فالحقيقة لا تتجزأ، وإن من شأن هذا السلوك أن يقود إلى الازدواجية ويطعن في مصداقية الشخص بهذه الفجوة بين الوسيلة والغاية، وأجد نفسي متفقا مع هذه النظرة الأخلاقية.