حزم سعودي يعري أصحاب البطولات الوهمية

قد يكون سقوط عدد من رموز الإعلام المصري ذوي الخبرات الضاربة جذورها في المهنة، بسبب التأثر بمواقف الإعلام المصري قبل ثورة 25 يناير، وصولا إلى لحظة تنحي مبارك، حين وصف الثوار الإعلام بـ"المتخاذل". كل ذلك يعد من أهم أسباب فقدان الإعلام المصري مؤخرا توازنه وموضوعيته، ومحاولة عدد من وسائله ورموزه اتخاذ من أي قضية "ثورة" تعوضه عما فاته، للتشويش على التهم المنسوبة إليه.
خلال الأيام الماضية اتخذ الإعلام المصري من قضية المحامي الجيزاوي، المقبوض عليه في السعودية بتهمة تهريب مواد وأدوية محظورة كانت بحوزته، مادة للثورة على السعودية وشعبها وحكامها وأنظمتها، ودفع بعض أفراد الشعب المصري للتعدي على السفارة السعودية في القاهرة بكل ما هو غير لائق، في جحود بيّن لمواقف السعودية التاريخية ودعمها ومؤازرتها الدائمة للشعب المصري وحكوماته المتعاقبة، وخصوصاً منذ بداية ثورة 25 يناير، إذ اتخذت السعودية موقف الحياد، وأيدت خيارات الشعب المصري ورغباته، ودعمت مصر مادياً أكثر من أي دولة أخرى، من دون أن تتدخل في شؤونها الداخلية أو تفرض عليها موقفاً أو رأياً.
على العكس تماماً نجح الإعلام السعودي -حتى الآن- في الانضباطية والمهنية والموضوعية، ولم يجارِ الإعلام المصري في دعمه ومؤازرته غير الموضوعية، لـ"مهرب" متلبس، ووحده القضاء السعودي النزيه من يحدد العقاب على جريمته.
منذ بداية الأزمة أكد السفير المصري في السعودية عبر قنوات فضائية مصرية، أن الجيزاوي ضبط وبحوزته أقراص مخدرة وبكميات تجارية، لكن الإعلام المصري تجاهل تأكيدات السفير، واستمر في التهييج والتأليب ورفع الشعارات، ودفع الشارع المصري إلى ثورة افتراضية، الخاسر الوحيد فيها هو الشعب المصري وليست أي دولة أو جهة أخرى.
أكثر ما شدني في البيان السعودي الصادر بخصوص هذه القضية، أنه يدشن مرحلة جديدة لمواقف الخارجية السعودية، إذ كانت على الدوام تلتزم الصمت في مثل هذه القضايا، وتعمل وفق الأطر الدبلوماسية الرسمية لحل الخلافات مع الدول العربية، بعيداً عن الإعلام والبيانات وإعلان المواقف والخطوات، وربما هي المرة الأولى التي تستدعي فيها السعودية بعثتها الدبلوماسية من إحدى الدول العربية بهذه السرعة، فالسعودية كانت ولا تزال تتعامل مع الدول العربية وفق علاقات الأخوة وواجباتها، وتتغاضى من أجل ذلك عن كثير من الردح الذي تتلقاه من بعض هذه الدول، على الرغم من قدرتها الاقتصادية والسياسية على اتخاذ أقسى المواقف التي تجبر الآخرين على الانصياع والاحترام، ولذلك أعتقد أنه آن الأوان لتلجم السعودية الباحثين عن بطولات وهمية، بمحاولة جعل السعودية جدارا قصيرا يمكن القفز عليه، واستغلال سياساتها العقلانية وصمتها، في قلب الحقائق وتغييب الأنظمة والقوانين وتهميش دورها ومواقفها.
نعم لإغلاق السفارة السعودية في القاهرة واستدعاء السفير، بل والذهاب إلى أكثر من ذلك إن استدعى الأمر، ليعرف الغوغائيون كيف يحترمون الآخر ويقدرون مواقفه، وحتى يتأكد الجميع أن السعودية لديها كل الخيارات المفتوحة، وأن صمتها كان صمت الحليم وليس الضعيف.
نعم موقف المجلس العسكري من القضية كان آنيا ومواكبا للقرار السعودي، لكنه من جهة أخرى أتى متأخراً أكثر من اللازم عن مواكبة التصعيد المصري الذي سبق القرار السعودي، حتى كاد يفقد قيمته ومعناه، بعد أن تمكنت بعض وسائل الإعلام المصري من بث السم والأحقاد تجاه السعودية، ووظفت كل جهودها وإمكاناتها في تأليب الجماهير المصرية وبث الفتنة ونشر الرأي الواحد، بل ووضعت لهم الشعارات والمطالب في أفواهم، لتكون شريكة لهم في الثورة الوهمية، التي يقف أعلى سقف مطالبها عند عدم محاكمة "مهرب مخدرات"!
العالم كله يدرك أن قضية المهرب الجيزاوي فردية، وإن كان هنالك موقف يجب أن يتم اتخاذه في هذا الإطار، وعبر الأنظمة القانونية المعمول بها في السعودية والتي تتبع نهج الشريعة الإسلامية، وليس هنالك من عدل أكثر مما شرعه العادل خالق العباد، أما التهريج والإساءة والإهانة وتوهم البطولات والمواقف فيجب أن يتم حسمها حتى ترتد على مدعيها.