زميلنا الأستاذ خلدون السعيدان كتب في هذه الجريدة واصفاً المنتجين الذين يبالغون في أسعار إنتاجهم الدرامي بمن يلبس نظارة سوداء. وهو محق في ما ذهب إليه للبعض وليس للكل ولكن هذا لا يعني أن نظر المسؤولين عن الثقافة "ستة على ستة" أو أن البعض منهم لا يلبس نظارات داكنة السواد.
رغم خبرتي الطويلة في التعامل مع المحطات التلفزيونية وبالأخص التلفزيون السعودي أرى أن كل المحطات تخلصت تقريباً من أنظمة الإدارة الحكومية وتحولت إلى أنظمة اقتصاديات السوق الحر فهي محطات تنتج وتكسب أو على الأقل تغطي الجزء الأكبر من تكلفتها الإنتاجية عبر جلب الرعاة والمعلنين والذين يتحدد عددهم وحجم ما ينفقون حسب جودة العمل ومن هم نجومه, أما عندما يكون الإنتاج بهدف تعبئة ساعات البث دون النظر إلى مستوى ما يبث فمن الهدر للمال العام الإنفاق على أعمال متميزة لا تحصد عوائد التميز وحيث إن الكل يطالب التلفزيون بالسعر المميز دون تقديم عمل مميز فهنا من حق التلفزيون أن يعتبر أن إنتاجهم مبالغ فيه ويتهمهم بالنظر من خلال نظارات سوداء لأنهم لا يرون ما ينتجون ولكن على المسؤول الذي يلبس النظارة السوداء أن يخلعها لينظر حوله ويرى أن التلفزيونات لا تعمل شهراً في العام ولكنها تنتج على مدار العام لأن الإعلان والرعاة لا يدفعون شهراً في العام ولكن على مدار العام ولكنهم فقط يضاعفون ميزانياتهم في شهر رمضان.
تلفزيوننا لا ينتج رسمياً إلا أربعة أعمال في العام ثلاثة منها تعرض بعد المغرب ويشترط أن تكون "كوميدية" والرابع اجتماعي وفي الثلاثة الأولى لم يعد ينظر للنص وجودته وإنما للنجم الذي سيقوم بالبطولة ولهذا ترفض نصوصٌ ممتازة لأن النجوم المرشحين لديهم نصوصهم الخاصة بهم وهذا أدخلنا في دائرة الاقتصار والاحتكار ولهذا يرى المنتج الممثل المطلوب فرصته في فرض شروطه وهي سياسة السوق.
لقد بحت أصواتنا ونحن نقول إن إنتاجنا يجب أن يكون على مدار العام وأن تتاح الفرص للعمل المتميز فالتميز يبدأ من النص وليس من النجم والعملية تكاملية نص ممتاز وإنتاج متميز ونجوم متمكنون يعني عمل مشاهد يحظى بدعم الرعاة وبتهافت المعلنين وبالتسويق الخارجي وهي أمور إذا اجتمعت تحققت عوائد توازي التكلفة أو على الأقل جزء منها وما ينفق على أربعة أعمال يمكن أن ينتج عشرة أعمال, وإذا وجدت أعمال على مدار العام استطاع المنتج أن يرشد من ميزانياته طالما أن النجوم سيضمنون أكثر من عمل فلن يبالغون في أجورهم وسيشاركون في إنتاج غيرهم.
في الكويت والإمارات الإنتاج على مدار العام والإنتاج فيهما صناعة أما نحن فلدينا مئات المنتجين وننتج أربعة أعمال في العام والحلول موجودة نطرحها دون صدى.
لعلي طرحت على أنظار معالي وزير الثقافة والإعلام دراسة لتأسيس شركة للاستثمار الإعلامي وسيكون فيها الحلول للخروج من سياسة الإنتاج الحكومي إلى الإنتاج الاحترافي فلازلنا نرى أن الإنتاج الحكومي فيه إهدار للمال وستبقى النظارات السوداء على الأعين للبائع والمشتري. لكن عندما يتحولا إلى شريكين يحافظ كل واحد منهما على مصالح الآخر فستكون الأمور واضحة كعين الشمس فالبيروقراطية الحكومية هي عدو الإعلام في أي زمان ومكان.