هو إنسان مريح للغاية ، يكاد أن يكون بلا عداوات ، إنسان بلا خصوم ، ولماذا يخاصم وهو إنسان عمومي .. ينظر لكل شيء من منظار " عموماً " ، لا يحب التفاصيل ولا تشغله الدقائق ، الوحدات الصغيرة لا محل لها عنده ، لا يحب في النقود "الفكة" وفي الساعات الدقائق والثواني وفي العدد الكسور .. لا يتعب البائعين لأنه لا يحب الفصال فلا تفرق معه ريالات قليلة يمكنه توفيرها لا لأنه غني وميسور الحال بل لأنه لا يقف مطولاً أمام التفاصيل أو لأن التفاصيل لا تعنيه فهو لا يمكنه أن يتذكر نص حوار أدى به إلى مشاجرة لكنه يتذكر انه عموماً تشاجر مع فلان ولذا فإن مصالحته من أسهل الأمور ، وهو أيضا يمكن أن يبادر إلى الكلام والتودد لمن خاصمه متجاهلاً نظرة الدهشة والسؤال العالق في عيونه " ألسنا متخاصمين؟"
هذا الإنسان العمومي حين يراجع نفسه ويحاسبها آخر كل (يوم أو أسبوع أو سنة أو حتى آخر كل دوام ) لا يقف أمام التفاصيل ، إنه يقول بارتياح : عموماً كان يوماً جيداً ، أو عموما كان يومًا سيئاً ، لكن غالبًا لن يكون سيئاً لأنه بتجاوزه ونسيانه وعدم وقوفه أمام الصغائر والهنات التي تشكل ملامح أيامنا تصبح على الأقل عادية والعادي غالبا جيد ..
وهذا الإنسان العمومي صداقاته كثيرة والذين يحبونه - بالطبع - كثر ، فهو الذي لا يرد من يلجأ إليه ، وهو الذي لا تفارق الابتسامة وجهه ، وهو الذي يقدر على تهوين المشاكل إلى أقصى الدرجات حتى إذا انتهيت من الإفضاء إليه بهمك فوجئت بعد كلامه بأنك كنت مهموماً بأمر تافه .. إنه الإنسان السهل .. اللين .. العمومي ..
لكن مشكلة هذا الإنسان انه يخرج بالثلث من فئة المخترعين ، الابتكاريين ، المبدعين .. ثم هو أيضا وبسبب تجنبه الصادق جدا للتفاصيل يخرج من زمرة التجار والصناعيين ، ويصعب أن يكون من الكتّاب أو الأطباء أو المهندسين أو الزراعيين ، والتدريس بكل تفاصيله يصبح كارثة إذا اقترب منه ، كما انه يتعامل مع التقنية بما تقتضي الحاجة فقط دون الدخول في التفاصيل أو السعي وراء الفهم أو التطوير .. ليس غبياً .. لكنه عموميا ..
والمدهش ان هذا العمومي هو من تتذكره بالخير دوما ويضيء وجهك إذا مرت ذكراه أمامك لأنه ذات يوم بالتأكيد قدّم لك يد عونه ببساطة ودون أن يشعر بأنه يفعل شيئاً كبيراً مؤثراً ..
فإذا كان المفكرون والعلماء والأدباء هم رأس الحياة فإن العموميين هم مفاصلها ، وهم الذين يدفعون بها قدماً ويجعلونها مقبولة محتملة ممكنة ..
فاللهم كثّر من العموميين حولنا وبارك لنا فيهم ، وقلل من " الخصوصيين" المتزمتين المدققين المتعبين أبعدهم عنا .. آمين